أسسنا، نحن أبناء القوات المسلحة المصرية، لعادة حميدة، وهي أن يلتقي خريجي كل دفعة، من الكلية الحربية، كل عام، في نفس يوم تخرجهم، وأطلقنا عليه "يوم الدفعة"، ويظل ذلك اللقاء ساري إلى ما شاء الله. وتتجلى قيمة هذا اللقاء بعد تقاعدنا، إذ يعتبر فرصة عظيمة لاسترجاع ذكريات أحلى سنوات عمرنا، منذ كنا طلبة بالكلية الحربية، ثم، في حالة دفعتي مثلاً، اشتراكنا في حرب اليمن، ثم حرب 67، وما تلاها من حرب الاستنزاف، وصولاً لحرب أكتوبر المجيدة، وباقي سنوات خدمتنا في القوات المسلحة.
يتميز "يوم الدفعة" بجماله، رغم بساطته، لما نسترجع فيه من ذكريات عمرنا، ولما يمثله من زيادة أواصر الترابط بيننا، وتبادل الأخبار، واقتراح حلول للمشاكل الشخصية، لنظل، دائماً، على عهدنا كأسرة واحدة. وللأسف حالت أزمة كورونا، الحالية، دون تحقيق ذلك اللقاء السنوي، فتلقيت اتصالاً هاتفياً، في الأسبوع الماضي، من بعض أصدقاء الدفعة، يقترحون تجمع عدد محدود منا، في أحد الأماكن المفتوحة، "لأن لمة الدفعة وحشتنا"، وبالفعل تم اللقاء يوم الجمعة في أحد دور القوات المسلحة، تحت الشمس الدافئة، نتجاذب حديث الذكريات العذب.
وفجأة أثار أحدهم موضوع هام، "هو الرئيس السيسي هو اللي بيتكلم عن المشروعات الجديدة وبس خلاص ... يعني سيادة الرئيس يفتتح المشروع في الصباح على الهواء، وبعدين تذيعه كل المحطات بالليل ... وخلاص ينتهي الموضوع؟" ثم وجه حديثه لي، مضيفاً، "أنت عارف يا سمير إن واجب الإعلام التكرار ليتمكن اللي كان مشغول يومها من المتابعة بعد كده ... خصوصاً التفاصيل اللي لازم الناس تشوفها ... يا صديقي مصر بيتعمل فيها حاجات كثيرة مش واخدة حقها".
في الحقيقة، أنني وافقته الرأي، تماماً، لأن الأمر ليس "تطبيلاً"، كما يدعي البعض، ولا حتى إشادة لمجرد المدح، وإنما إنجازات حقيقية تستحق التقدير، وأن يلتفت عامة الشعب لأهميتها، باعتبار ذلك حق لهم. وضربت مثالاً على ذلك، بما ساقتني الظروف، في الأسبوع الماضي، للتعرف عليه عن قرب، فوجدتها ملحمة جديدة، وللأسف لم تأخذ حقها من التغطية الإعلامية، فلم يلتفت إليها الكثيرون، وهو ما قامت به شركة النصر للكيماويات الوسيطة، أحد أكبر وأقدم شركات جهاز الخدمة الوطنية، للقوات المسلحة، من تأسيس أكبر مصنع بتروكيماويات في مصر والشرق الأوسط، في منطقة العين السخنة.
فما لا يعرفه الكثيرون، أن هذه الشركة تدير، الآن، 37 مصنعاً في أبو رواش، والسخنة، والفيوم، افتتح الرئيس السيسي عدد منهم منذ عام، تقريباً، يقوم بعضهم بإنتاج خام الفوسفات، وتحويله إلى أسمدة عالية، ضمن خطة الدولة لإحلال الواردات وتوطين الصناعة في مصر، وبعدما كانت مصر تصدر الفوسفات، في صورته الخام بمتوسط سعر 40 دولار للطن، صارت تصنعه كمنتج نهائي، وتصدره بنحو 400 دولار للطن، محققة بذلك فائض هائل، وأرباح كبيرة. كما قرر الرئيس السيسي أن مصر لن تستورد أي أسمدة، بعد الآن، فنجحت الشركة، بمجمعها الصناعي بالعين السخنة، في تغطية كافة احتياجات السوق المحلي من الأسمدة، وتصدير 50% من إنتاج المجمع إلى 45 دولة من خلال ميناء السخنة، بواسطة 6 مصانع؛ الأول لإنتاج الامونيا بطاقة 400 ألف طن سنوياً، واليوريا بطاقة 320 ألف طن، ويوريا محببه 320 ألف طن، وحامض نيوتريك 165 ألف طن، ونترات النشادر 265 طن، بالإضافة إلى نترات النشادر الجيرية بطاقة 278 ألف طن، وهو منتج جديد لأول مرة في مصر.
والأهم من ذلك هو توفير 4000 فرصة عمل للشباب، ما بين مهندسين وفنيين وعمال، جميعهم من المدنيين، فليس منهم فرد من القوات المسلحة. ومع بداية أزمة كورونا ساهمت شركة النصر للكيماويات الوسيطة في دعم الدولة للتغلب على هذه الأزمة، حيث أمدت 153 مستشفى، في مصر، باحتياجاتها من الأكسيجين على مدار اليوم، بعربات الشركة. فضلاً عن أن الشركة تنتج، حالياً، جميع أنواع المطهرات والمعقمات للأيدي والأسطح والأرضيات بمواصفات عالمية، وبأسعار تنافسية، تقل من مثيلاتها في السوق المحلي. وعندما نرى عناصر القوات المسلحة تقوم بتطهير الأماكن العامة في الدولة مثل محطات القطارات والمترو والجامعات، فإنها تتولى تلك المهمة باستخدام منتجات شركة النصر للكيماويات الوسيطة.
كما تنتج الشركة 80% من احتياج السوق المحلي من مادة الشبه و60% من الكلور اللذان تحتاجهما مصر في عمليات تنقية مياه الشرب، بينما تتولى شركات القطاع الخاص، العاملة في تلك المجالات، إنتاج باقي الكميات اللازمة للاستهلاك المحلي. وتقوم الشركة، حالياً، بإنشاء مصنعين لإنتاج الأوكسجين السائل والنيتروجين الأرجون بطاقة 200 طن، لتلبية مطالب وزارة الصحة، خاصة وأن مصر على أعتاب تطوير نظام التأمين الصحي، بما مكن وزارة الصحة من تحويل جميع مستشفياتها من نظام العمل بالأوكسيجين الغازي إلى النظام الجديد الأوكسيجين السائل.
وبهذا يتضح أهمية هذه الشركة، أو القلعة الصناعية الكبرى، في توفير احتياجات الدولة من عدد من السلع الاستراتيجية، بدلاً من الاعتماد على الاستيراد، وبما يلبي متطلبات عملية التطوير والتنمية التي تشهدها مصر، إضافة لما توفره من فرص عمل وتدريب فني لشباب المصريين. إنها بحق ملحمة مصرية، قد لا يعلم عنها الكثير شيئاً ... فتحية تقدير واحترام من القلب إلى السيد اللواء مختار عبد اللطيف رئيس مجلس إدارة شركة النصر للكيماويات الوسيطة على ما يقوم به من جهد في خدمة وطننا الغالي.
————
نقلا عن جريدة الأهرام